رغم أن تناول مشروب الشاى يعد أمرا معروفا ومألوفا فى جميع أنحاء العالم على اختلاف الثقافات والانتماءات، إلا أن موقعه فى الثقافة اليابانية متفردا، فهناك روابط تجمع اليابانيين والشاى، حيث لم يسهم أى مشروب بالنسبة للإرث الثقافى والروحى اليابانى بمثل هذه المساهمة، بعد أن طور اليابانيون طقوس الشاى على مدى مئات السنين من ممارسة بسيطة لاحتساء هذا المشروب إلى شكل فنى متكامل كان له تأثير على مجموعة واسعة من الأنشطة بما فى ذلك الهندسة المعمارية والتصميم وفنون الطهى. وتصبح بعد ذلك عملية إعداد الشاى وتناوله بطقوس معينة تسمى «ماتشا»، أساسا لمذهب روحانى وجمالى عميق كان له أثر كبير فى الثقافة اليابانية.
والـ«ماتشا» عبارة عن مسحوق الشاى الأخضر الممزوج بالماء الساخن، وعرفت اليابان هذا النوع من الشاى لأول مرة فى القرن الثانى عشر، وكان أول من قدمه رهبان الطائفة البوذية «زين» بعد عودتهم من الدراسة فى الصين، وفى معابد الزين كان يتم استخدام هذا الشاى كمنبه لتنقية العقل أثناء التأمل، كما استخدم أيضا كدواء، فضلا عن استخدامه الرمزى فى المراسم المختلفة، ثم انتشر بعد ذلك بين الطبقات الحاكمة والنبلاء التى تعددت لديها وظائف الشاى.
ومن هذا التباين فى استخدام الـ«ماتشا» تطورت فكرة اجتماعات الشاى بوصفها أحد الوسائل المميزة للانجاز الروحى والجمالى، ومن ثم تم ابتكار غرف مصممة خصيصا لمثل هذه الاجتماعات. فإن غرف الشاى ليست مكانا لتأدية الطقوس ولكنها بمثابة وسيلة ينتقل من خلالها المشاركون إلى عالم أخر يتركون فيه وراءهم مشاغل وهموم حياتهم اليومية.
وفى القرن السادس عشر أدرك «سين ريكيو»، وهو شخصية تعد فى نظر اليابانيين رمزا رائدا على المستوى السياسى والثقافى فى عصره، أهمية هذه الأفكار وحول تحضير وتقديم الشاى إلى نظام شامل واضعا الأسس لما بات يعرف بـ«حفل الشاى». وتظهر الركائز الأساسية لطريقة الـ«تشادو» الخاصة بهذا المعلم فى أربع ركائز أساسية هى التجانس والاحترام والنقاء والهدوء.
التجانس يقصد به التجانس الواجب توافره فى العلاقات الانسانية وبين الانسان والطبيعة وفى اختيار أوانى الشاى وطريقة استخدامها. والاحترام يقصد به إبداء الاحترام تجاه جميع الأشياء ومشاعر الامتنان لوجودها، والنقاء الذى يشمل كلا من النظافة الروحية والدنيوية والهدوء بمعنى حالة السلام الروحى.
وقد ظلت ممتلكات أوراسينكى التابعة لعائلة سين موجودة فى الحى القديم بمدينة كيوتو العاصمة الثقافية لليابان لمدة ثلاثة قرون ونصف القرن، حيث بنيت أقدم غرف الشاى بواسطة الجيل الثالث من أسرة سين.
المصدر: بوابة الأهرام