خلال السنوات السابقة كان المغاربة يستقبلون شهر رمضان بالكثير من البهجة والسرور بهذا الشهر الفضيل، الذي يمكن العائلات من التجمع وتبادل الزيارات، والقيام بشعائرهم الدينية في المساجد، ويمكن التجار والعمال غير النظاميين من كسب قوتهم بما تصنعه أيديهم من حلويات، وفطائر ومقبلات يتنافسون في صنعها، وفي بيعها ليل نهار بالأسواق والأحياء السكنية.
لكن هذه الفرحة سرعان ما اختفت منذ العام الماضي بسبب وباء كورونا، وتحولت إلى غم وتأزم لدى الأسر المغربية والعديد من القطاعات، وعلى رأسها تلك المتضررة بالإغلاق الليلي، وتمديد حالة الطوارئ بالمغرب، تخوفا من الموجة الثالثة من جائحة كوفيد-19، حيث أصبحت العديد من الأسر والأفراد على حافة الفقر، على الرغم من المساعدات التي قدمتها ومازالت تقدمها الدولة، للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تسببت فيها الجائحة.
مشكلة المقاهي
ولأن الحاجة إلى العمل خلال هذا الشهر أصبحت ملحة بالنسبة إلى أصحاب المقاهي والمطاعم، الذين سيغلقون محلاتهم للسنة الثانية على التوالي، بقرار من السلطات المغربية، فإن البعض منهم قد حول من الآن المقهى إلى محل لبيع الخضراوات والفاكهة، ليتمكن على الأقل من تسديد بعض مصاريفه، وضمان رزق بعض العاملين معه، خاصة أولئك غير المصرح بهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لأن من سيستفيد من التعويضات الحكومية في هذا القطاع هم المصرح بهم في الصندوق، أما الآخرون فسينتظرون أمر الحسم في ذلك مع الجهات المختصة.
النهج نفسه سار عليه بعض المقاولين السياحيين منذ السنة الماضية، والذين حولوا وكالاتهم إلى متاجر، وذلك لضمان معيشهم اليومي، خاصة في المدن السياحية مثل أكادير ومراكش، الذين تضرروا بغياب السياح وتوقف المطارات، حيث تراكمت عليهم الديون وتكبدوا العديد من الخسائر، التي لا يبدو أنها ستنتهي قريبا.
مبادرات تضامنية
وفي انتظار ذلك، ومن باب التضامن مع عمال المقاهي، أطلق الإعلامي المغربي يونس دافقير مبادرة دعم مواطناتي عبر "فيسبوك" لهذه الفئة، من خلال تقديم المبلغ الذي كان يصرفه شهريا على شرب القهوة بعد الإفطار إلى عمال المقهى، وهو المبلغ المقدر بـ300 درهم مغربي، أي ما يعادل 10 دراهم في اليوم، وهي المبادرة التي لقيت استحسانا من قبل العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يقول عنها يونس دافقير في تدوينته:
"في رمضان كشرب قهوة يوميا بعشر دراهم، مما يعني 300 درهم قهوة في الشهر. اليوم أنا عطيت للدراري في القهوة 300 درهم اللي كيصوروا معاي في الشهر، لأنهم ما غاديش يخدموا من بعد الافطار وغيبقاو بلا مدخول".
كما أطلقت العديد من الجمعيات مبادرات خيرية متضامنة لمساعدة الأسر المعوزة من خلال توزيع "قفة (سلة) رمضان" وغيرها من الحاجيات، وذلك حتى في المناطق الريفية النائية.
وفي ظل غياب بدائل اقتصادية، ستظل الأزمة خانقة، تهدد العديد من القطاعات بالإفلاس التام، وتندر بتزايد أعداد العاطلين العمل، فيما سيدفع الإغلاق الليلي، غير المفهوم والمستوعب من طرف الكثيرين، العديد من الشركات والمؤسسات السياحية والفندقية، ووكالات كراء السيارات، والمقاهي والمطاعم والحمامات وقاعات الرياضة، وغيرها من المهن المرتبطة ببعضها إلى الإفلاس.
العرض أكثر من الطلب
تسترجع السيدة أمينة ذكريات رمضان السنوات الماضية بكثير من الحسرة والألم، وتقول في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية"، إنه لم يعد لهذا الشهر أي طعم الآن، ولم تستعد له الأسر المغربية بالشكل المطلوب، فروائح السفوف والشباكية والبريوات، وغيرها من الأكلات التي كانت تتنافس في تحضيرها الأسر المغربية، غابت بشكل كبير، ولم تعد روائحها تضوع بالأحياء ولا حتى بالعمارات والبيوت، باستثناء الأسواق التي تزخر بهذه المنتوجات، وتعرضها بمختلف الأشكال، ولكن الإقبال عليها متواضع جدا، لأن القدرة الشرائية أصبحت ضعيفة جدا، والمواطن يسعى بالدرجة الأولى إلى تأمين الضروريات، ولا يفكر لا في الحلويات وغيرها من المأكولات الخاصة برمضان، والتي أصبحت اليوم من الكماليات.
وتضيف السيدة أمينة "وباء كورونا قضى على كل شيء جميل في حياتنا، فحتى عاداتنا وتقاليدنا في هذا الشهر من مأكل وملبس، أصبحت اليوم شبه مستحيلة، وليس أمامنا إلا الدعاء بزوال هذه الجائحة، والعودة إلى حياتنا الطبيعية".
أما عبد الغني المحجوب، صاحب محل لبيع "شهيوات رمضان" في حي حسان بالعاصمة الرباط، فيؤكد أن القدرة الشرائية للمواطن المغربي تراجعت بشكل كبير، وأنه لم يعد يقبل إلا على ما هو ضروري له ولأسرته، ويشير "في السنوات السابقة كان الزبائن يتوافدون على محلي بشكل كبير، ولم أكن أستطيع الاستجابة لكل طلباتهم التي يتجند لها عمالي وكل أفراد عائلتي. أما اليوم فمنذ عشرة أيام وأنا أعرض منتوجاتي، ولكن الإقبال عليها ضعيف، ومن يشتريها يشتري فقط نصف كيلو أو كيلو فقط".
ويوضح السيد عبد الغني أن العرض كثير جدا، ولكن الطلب قليل، وهذا بكل تأكيد سيؤثر على كل التجار، والعمال الذين كانوا يحققون نسبة معاملات مهمة في هذا الشهر الفضيل، لأن الإقبال على اقتناء المنتجات الرمضانية كان كبيرا جدا، وفي بعض الأحيان كانت السلع تنفذ بالكامل. فهذا الشهر كما يقول في تصريح لـ "سكاي نيوز عربية": "كان فأل خير على الكثير من الأسر والتجار، يتهيؤون له منذ شهر شعبان، وفيه تتحسن أوضاع الكثيرين، بل منهم من كان يعمل فقط خلال هذا الشهر، ويضمن ما يغطي باقي مصاريفه خلال السنة".
ويتساءل عبد الغني مثل غيره من المغاربة، الذين صاروا يتندرون بهذا الإغلاق الليلي، "هل كورونا تخرج فقط بالليل؟"، لأنه كما يقول: "إذا كان الهدف من هذا الإغلاق هو التقليل من الاحتكاك والازدحام، فإن ما نشاهده خلال النهار في مواصلات النقل وغيره من المحلات التجارية خطير، وكفيل بنقل العدوى بشكل كبير".
المصدر: سكاى نيوز عربية